سورة الشمس - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشمس)


        


{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14)}
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها} أي بطغيانها، وهو خروجها عن الحد في العصيان، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. وعن ابن عباس بِطَغْواها أي بعذابها الذي وعدت به. قال: وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوي، لأنه طغى عليهم.
وقال محمد بن كعب: بِطَغْواها بأجمعها.
وقيل: هو مصدر، وخرج على هذا المخرج، لأنه أشكل برءوس الآي.
وقيل: الأصل بطغياها، إلا أن فعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واوا، ليفصل بين الاسم والوصف. وقراءة العامة بفتح الطاء. وقرأ الحسن والجحدري وحماد بن سلمة بضم الطاء على أنه مصدر، كالرجعي والحسني وشبههما في المصادر.
وقيل: هما لغتان. {إِذِ انْبَعَثَ} أي نهض. {أَشْقاها} لعقر الناقة. واسمه قدار بن سالف. وقد مضى في الأعراف بيان هذا، وهل كان واحدا أو جماعة.
وفي البخاري عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، وذكر الناقة والذي عقرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذ انبعث أشقاها، انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة» وذكر الحديث. خرجه مسلم أيضا.
وروى الضحاك عن علي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: «أتدري من أشقى الأولين قلت: الله ورسوله أعلم. قال: عاقر الناقة قال: أتدري من أشقى الآخرين قلت: الله ورسوله أعلم. قال: قاتلك» فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: يعني صالحا. {ناقَةَ اللَّهِ} ناقَةَ منصوب على التحذير، كقولك: الأسد الأسد، والصبي الصبي، والحذار الحذار. أي احذروا ناقة الله، أي عقرها.
وقيل: ذروا ناقة الله كما قال: {هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73]. {وَسُقْياها} أي ذروها وشربها. وقد مضى في سورة الشعراء بيانه والحمد لله. وأيضا في سورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1]. فإنهم لما اقترحوا الناقة، وأخرجها لهم من الصخرة، جعل لهم شرب يوم من بئرهم، ولها شرب يوم مكان ذلك، فشق ذلك عليهم.
{فَكَذَّبُوهُ} أي كذبوا صالحا عليه السلام في قوله لهم: إنكم تعذبون إن عقرتموها. {فَعَقَرُوها} أي عقرها الأشقى. وأضيف إلى الكل لأنهم رضوا بفعله.
وقال قتادة: ذكر لنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم.
وقال الفراء: عقرها اثنان: والعرب تقول: هذان أفضل الناس، وهذان خير الناس، وهذه المرأة أشقى القوم، فلهذا لم يقل: أشقياها. قوله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب بذنبهم الذي هو الكفر والتكذيب والعقر.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: دمدم عليهم قال: دمر عليهم ربهم بذنبهم، أي بجرمهم.
وقال الفراء: دمدم أي أرجف. وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده. ويقال: دممت على الشيء: أي أطبقت عليه، ودمم عليه القبر: أطبقه. وناقة مدمومة: ألبسها الشحم. فإذا كررت الاطباق قلت: دمدمت. والدمدمة: إهلاك باستيصال، قاله المؤرج.
وفي الصحاح: ودمدمت الشيء: إذا ألزقته بالأرض وطحطحته. ودمدم الله عليهم: أي أهلكهم. القشيري: وقيل دمدمت على الميت التراب: أي سويت عليه. فقوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ أي أهلكهم، فجعلهم تحت التراب. {فَسَوَّاها} أي سوى عليهم الأرض. وعلى الأول {فَسَوَّاها} أي فسوى الدمدمة والإهلاك عليهم وذلك أن الصيحة أهلكتهم، فأتت على صغيرهم وكبيرهم.
وقال ابن الأنباري: دمدم أي غضب. والدمدمة: الكلام الذي يزعج الرجل.
وقال بعض اللغويين: الدمدمة: الإدامة، تقول العرب: ناقة مدمدمة أي سمينة.
وقيل: {فَسَوَّاها} أي فسوى الامة في إنزال العذاب بهم، صغيرهم وكبيرهم، وضيعهم وشريفهم، وذكرهم وأنثاهم. وقرأ ابن الزبير فَدَمْدَمَ وهما، لغتان، كما يقال: امتقع لونه وانتقع.


{وَلا يَخافُ عُقْباها (15)}
أي فعل الله ذلك بهم غير خائف أن تلحقه تبعة الدمدمة من أحد، قاله ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد. والهاء في عُقْباها ترجع إلى الفعلة، كقوله: «من اغتسل يوم الجمعة فبها ونعمت» أي بالفعلة والخصلة. قال السدي والضحاك والكلبي: ترجع إلى العاقر، أي لم يخف الذي عقرها عقبى ما صنع.
وقال ابن عباس أيضا.
وفي الكلام تقديم وتأخير، مجازه: إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها.
وقيل: لا يخاف رسول الله صالح عاقبة إهلاك قومه، ولا يخشى ضررا يعود عليه من عذابهم، لأنه قد أنذرهم، ونجاه الله تعالى حين أهلكهم. وقرأ نافع وابن عامر {فلا} بالفاء، وهو الأجود، لأنه يرجع إلى المعنى الأول، أي فلا يخاف الله عاقبة إهلاكهم. والباقون بالواو، وهي أشبه بالمعنى الثاني، أي ولا يخاف الكافر عاقبة ما صنع.
وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالا: أخرج إلينا مالك مصحفا لجده، وزعم أنه كتبه في أيام عثمان بن عفان حين كتب المصاحف، وفيه: وَلا يَخافُ بالواو. وكذا هي في مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، اتباعا لمصحفهم.

1 | 2 | 3 | 4